Rainbow Text - http://www.myrainbowtext.com


مقدمة :


مقدمة :
ليس أصعب على المبدع والناقد بل وعلى غيرهما من وضع حدود وسياحات ينحصر فى أطرها تعريف جامع مانع للشعر ذلك الكائن الحى الذى يغزو فرائس الجسد غزوا ، ويداعب أوتار القلوب محققاً تلك النشوة التى يبقى الإنسان أسيراً لها كلما طافت بذهنه تلك السطور والشطور والقصائد ... فيرتضى ذلك الأسر مقيداً بنفحات الكلم ، مسلسلاً بترانيم النغم ، محاصراً بين خطوط الصور وألوانها ، ليشهد بأن إحساساً لا يكون إلا فى رحاب ذلك العالم الرحب ، وأن انتشاء لا يدوم إلا بدوامه ، وأن عبيراً لا يشم إلا فى طيات هذا العالم الساحر "عالم الشعر" .
ولكم تشكلت رؤى الشعراء وتبلورت إبداعاتهم منذ كان شعر فى إطار التجربة الإنسانية عاملين على تجسيدها وعكس ملامحها واستنباط أسرارها حتى التحمت التجربة الإبداعية التحاماً وثائقياً بالتجربة الإنسانية وأدرك الناس أنهما وجهان لجسد واحد : فالإبداع هو الإنسان والإنسان إبداع لتجاربه وصياغة لأحاسيسه وترجمة لواقعه واستنباط لبيئته واستلهام لخيالاته .
نعم ... لقد التحمت الإنسانية بالشاعرية فى رباط تحكمه ذبذبات الواقع ومرادات الحاضر وأمنيات المستقبل حتى لم تخرج أحكام العامة عن هذا الرباط فبالشعر تكون الحياة وفى الحياة يبقى الشعر هو الأرقى ويبقى الشاعر هو الأسمى حتى استنكر لسان حال الخلق أن يكون ناس ولا يكون شعر ، فانطلقت هذه الألسنة بشهاداتها المدونة فى أرجاء الكون "أنتم الناس أيها الشعراء" .
ومع إيماننا بصعوبة تحديد الشعر وحصره فى حدود وتعريفات قد تفقدنا فى كثير من الأحيان لذة الاستمتاع به ، ومع إيماننا بما طرأ على نماذجه منذ القدم من مدارس واتجاهات وموجهات وصراعات أفادت بقليل من القصد تلك التجربة الإبداعية وأضرت بها فى مواطن كثيرة ، لابد أن نؤمن أيضاً بأن القصيدة هى شعر وشاعر ؛ شعر يمثل كياناً صادقاً يدوى فى أرجاء الكون ، وشاعر صاغ بعبقريته ذلك الكيان حتى التصقت القصيدة بقائلها التصاق الروح بالجسد والجوهر بالعرض .
ومن هذا المنطلق كانت هذه المحاولة التى بين يديك .. محاولة لاستشعار ملامح هذا الالتصاق والوقوف على محددات الموهبة وسمات التجربة الإنسانية من خلال إبداعات واحدة من أبرز شواعر مصر فى الآونة الأخيرة وهى شاعرة العامية السيدة / إيمان يوسف ، التى لفتت بغزارة إنتاجها الشعرى وبراعة حضورها الأدبى أنظار النقاد فى أرجاء المعمورة حين خرجت إليهم بديوانها الأول "تنهيدة صبية" عام 1994 ، ونشرت بعض قصائدها فى مجموعة "عرايس الشعر" التى أعدها وقدم لها الشاعر الكبير / محمد مكيوى ، عام 1994 ، وألحقتهما بديوانها "مشاعر" عام 1995 ، ثم "وشوشة البحر" عام 1997 ، ثم ديوانها "يا فرح صاحبنى" و "مصر جنة بتبتسم" عام 1998 ، وأتبعتهما بديوانها "لحن الحنين" فى العام نفسه ، ثم ديوانين آخرين وليسا أخيرين فى عام 2000 وهما "أحضان السنين" و "أنيس قلبى" وأخيراً ديوانها "النيل واعدنى" عام 2002 وهى لا تزال تمهد لنشر ثلاثة دواوين أخرى كانت قد انتهت من جمعها مؤخراً .
ومع هذا الكم الوفير من الإبداع لم يكن أمامنا سوى انتقاء بعض القصائد التى تمثل الرحلة الإبداعية لهذه الشاعرة التى فاقت كثيراً من شواعر جيلها إنتاجاً وإبداعاً حتى ذاع صيتها فى المجتمع المصرى ولمع نجمها فى سائر المنتديات الأدبية بمصرنا العزيزة ، مما أغرى كثيراً من النقاد بتناول أعمالها وتقديمها ودراستها ؛ حيث قدم لها وقام بدراستها الأساتذة الدكتور / محمد زكريا عنانى ، والكتور / فوزى عيسى ، والدكتور / السعيد الورقى ، محمد مكيوى ، الدكتور / مجدى شمس الدين ، الأستاذ أحمد سويلم ، الدكتور / أحمد جويلى ، الأستاذ / محجوب موسى ، والأستاذ الدكتور / زين الخويسكى ، والأستاذ الدكتور / يسرى العزب وغيرهم ... فؤاد قاعود ، الناقدة فريدة النقاش ، دكتور / سعد عيسى ، دكتور / فوزى خضر .
وقد حرصت الشاعرة على تواجدها الأدبى فى ندوات قصور الثقافة بالإسكندرية والقاهرة والأقاليم ، وندوات اتحاد الكتاب والمؤتمرات الأدبية بالقاهرة والجيزة والإسكندرية ومطروح والمنيا ودمياط والمنصورة والغربية والبحيرة حيث أتاح لها هذا الحضور الأدبى مكانة مرموقة بين الشعراء المعاصرين ، كما أتاح لها الفرصة سانحة لتحقيق هذا التواصل بين الحياة والفن لتكوين رؤية خاصة لإبداعها اتخذت لها كافة ما أتيح من الأدوات الفنية التى تشكل عالمها الشعرى الخاص ؛ حيث آثرت أن تكون اللهجة العامية هى قالبها الذى تصوغ فى إطاره خطوط إبداعها وكأنها حرصت أن تجمع لإنتاجها الغزيز جمهوراً كبيراً تصف مشاعره ، وتحدد عوالمه ، وتنفذ إلى أسراره وكوامنه ومكنوناته ، لتحقق ذلك الوصل بين خصوصية الإبداع وعمومية التلقى ، حتى إنها لم تدع مجالاً للنفاذ إلى ذلك المتلقى إلا اقتحمته ، ولم تترك طريقاً للوصول إلى المتذوق إلا وسلكته ، حيث واكبت كثير من الصحف والمجلات إنتاجها وسمعت قصائدها فى حلقات الأدب بالإذاعة والتلفزيون .
والشاعرة يتجاذب إبداعها خطان متوازيان أولهما الأداة وثانيهما الرؤية ؛ فقد أتقنت نسج أدواتها إتقاناً أتاح لها أن تخرج لجمهورها بخضم هائل من الرؤى فى سائر مناحى الحياة ... وحتى تتعرف على هذين الخطين نتوقف عند كل منهما فى إطار النص الشعرى للشاعرة من خلال نماذج مختارة تكشف عن هذين الخطين .
أ .د . مختار عطية
مدرس الأدب والنقد
كلية الآداب قسم اللغة العربية
جامعة المنصورة
الإسكندرية فى يناير 2003