أولاً : الأداة
وأقصد بالأداة تلك الوسائل الفنية والملامح الشخصية ومحددات الإبداع التى تشكل من خلالها الرصيد الفنى للشاعرة مابين ميزانها الشعرى وصورها الفنية ومفرداتها وقاموسها الخاص وحسها الرومانسى والواقعى إلى جانب ما تحمله من نفس سوية متظاهرة بالقوة أحياناً ، تؤمن ببساطة الخطاب وعدم التكلف تحمل روحاً عزيزة لديها ، تخلد فى معظم إبداعاتها إلى كبرياء الأنثى ، متشوقة دائماً إلى عالم الطفولة ، تتقن السيطرة على رؤاها وتحكم آراءها وتغلفها فى كثير من الأحيان بثوب العفة والانصياع للشرقية الاجتماعية ، التى تضطرها فى كثير من الأحيان إلى القدرة على التركيز والتكثيف والصدق الفنى ، فهى حريصة دائماً على تواجدها فى القصيدة بياء المتكلم وإيحاءات الأفئدة وانغماس اللون والسجع والجناس داخل النص الشعرى .
وإذا كانت الأداة تتشكل لدى الشاعرة من مزيج ما سبق كله ، فلتكن الوقفة عند مكونات هذا المزيج من خلال التفصيل التالى :
أ ـ ملامح السيرة الذاتية :
حرصت الشاعرة على إدراج مقتطفات من سيرتها الذاتية من خلال القصيدة فأطلعتنا على بعض من حياتها الخاصة وكأنها تقدم للقارىء بطاقة تعارف سطورها الكلمات ، بياناتها النغم ، تفصح عن ميلادها قائلة (من ديوان أنيس قلبى ص 6):
أنا برج العذراء
وحداشر من سبتمبر
تكوينى
ثم عن اسمها وارتباطه بوجهتها الحياتية قائلة (ديوان تنهيدة صبية ص 3) :
إيمان
وإيمانى كبير
وبرغم زحام الدنيا
بافرد جناحاتى واطير
والضم عناقيد الفكر قصايد
ثم عن أولادها فلذات أكبادها قائلة (ديوان مشاعر ص 95) :
وكان نفسى
فى بنت جميلة تحضننى
واشيلها ف قلبى والننى
دى أمنية بتحيينى بجنتها
وكان نفسى
فى إبن عطوف بيبدر روحه حنيه
ويا محمد يعوضنى حنان الأخ
ثم سكندريتها التى تبدو على ملامحها وتعتز بها أيما اعتزاز قائلة (ديوان تنهيدة صبية ص 94) :
أيوه على الكلمة
لما تكون منك
بتقولها وكأنك
ملاك ملازمنى
وهى ترمى بشذرات تنبىء عن ملامح شخصيتها إذ تبدو صادقة الإحساس تسلم بالقدر قائلة (ديوان تنهيدة صبية ص 11) :
وبرغم حنين الشوق والقهر
وبرغم الغربة جوه مشاعرى
برغم مشاغلى
برغم المنطق والنظرية
برغم الزمن الزايف جداً
أنا باكتب شعرى
وتقول مفصحة عن تسليمها بالقدر وبكل ما يأتى به (ديوان تنهيدة صبية ص 3) :
والضم عناقيد الفكر قصايد
تتحدى الصعب ولكن
ما اتحداش المقادير
وتنبىء عن أنها لم تعش عمرها كما كانت ترنو وتتمنى قائلة (ديوان يا فرح صاحبنى ص 38) :
طار الكلام منى
سرق الزمن سنى
طقطق سواد شعرى
كرمش يا حلم العين
وتقول فى قصيدتها "مراكب الصبر" (ديوان يافرح صاحبنى ص 45) :
العمر ليه عدا
أنا لسه ماعشتوش
ولما فات هدا
لكنى ماسألتوش
الصدق ليه مكسور
تاهت مراكبنا
والدموع موج بيدور
والصبر راكبنا
والحزن حاببنا
لم تخبرنا بأنها تملك اعتزازاً فائقاً بشخصيتها وكينونتها قائلة (ديوان وشوشة البحر ص 82) :
فى محيط التكوين
أنا ليا بصماتى
لمحاتى تفاصيلى
والقلب بصماماته
مفتوح للاستقبال
ثم تدلنا على مواقف إبداعها ومتى تكتب قائلة (ديوان لحن الحنين ص 28) :
باكتب وقت ماتتحجر
دمعاتى
وسنون القلم السامعة صراخى
من جوايا
تعرف تنطق ألمى
وتترجم إحساسى
وتفصلنى عن تكوينى
بل تدلنا فى بعض قصائدها على عشقها للكتابة قائلة (ديوان أنيس قلبى 108) :
حبيبتى ورقتى
دامهما بعدتى
عشقتى صديقتى
حقيقتى وكريمتى
شبابى وطفولتى
جنونى وشجونى
وسيرتى وقيمتى
كما لا تنسى أن تدلنا من بين ملامح شخصيتها على شكيمة العناد والتحدى قائلة (ديوان أحضان السنين ص 91) :
أصل أنا عناديه
فوق الحد وفوق الطاقة
مستنيه الصحوة الدايمة
أنا مش نايمة
بس الرفض مهاجر وقتى
أصل يا قلبى
أنا عاشقة تحدى
أنا عاشقة تحدى
وتدلنا كذلك على جرأة تعبيراتها فى قولها (ديوان مشاعر ص 57) :
جرىء قلمى على الصفحة
يفجر جمر
فى جزر ومد
قضايا العمر
لكنها تؤثر الخير على كل شىء إذ تقول (ديوان أحضان السنين ص 70) :
فضلتك عن كل الناس
لأنك
طيب رقيق حساس
فنان إنسان ضلك وناس
قلبك معطاء مليان إخلاص
وهكذا تطلعنا الشاعرة على رقيق تكوينها وتفاصيل حياتها ، صادقة ، موحية متخذة الشعر سبيلاً لذلك حتى أضحت تعنون لنفسها بالشعر فعنوانها الشعر ، ومفتاحها الشعر ، وميزانها الشعر تقول (ديوان مشاعر ص 58) :
ومن بؤرة إحساسى
حاولت إنى أزرع الكلمة
ديوان م الشعر
ويبقى الشعر عنوانى
ومدخل درب أحلامى
وتتحول عيون الشعر
عيون زهرة ... جمال فكرة
أمنل بكرة
وأبدر صوتى كلمة حق
ب ـ الميزان الشعرى :
يتميز إبداع الشاعرة باحتوائه ميزاناً شعرياً متدفقاً يتناسب مع موضوع قصيدها تناسباً تلازمياً ، ويتوافق مع إحساسها وتعبيراتها ، فبينما نجدها تصور إحدى إحساساتها فى قصيدة بعنوان "نبضة" نرى القصيدة تسير على مجزوء بحر الرمل بتفعيلاته النابضة "فاعلاتن فاعلاتن" تقول (ديوان مشاعر ص 17) :
كل حرف كتبتهولى
جوا منى ألف شمعة
تطفى دمعة ويا دمعة
من شجونى
تعكس التكشيرة طاقة
من تفاؤل فى عيونى
وكذلك حين تهدى قصيدتها "إلى الموسيقار الخالد" إلى فنان الشعب سيد درويش تقول (ديوان أحضان السنين ص 62) :
الخطاوى اسكندرانى
فيها أنشودة صباح
فيها أحلام النجوم
النغم فى الموج يدوب
عود وبيهز القلوب
أما حين تعتلى عرش أنوثتها وتفيض كلماتها عناداً وتحدياً ، فهى تلجأ إلى تفاعيل الهزج الخاطفة المتلاحقة "مفاعيلن مفاعيلن" التى تشبه قرع الطبول فى مشهد جنائزى تقول (ديوان أنيس قلبى ص 13) :
مابتهددش
ماتستعجلش
مابيننا العمر والأيام
ورؤية لسه ماكملتش
بتتحدانى وتغامر على خسارتى
وناسى إنى بمهارتى
بكون فى حروف إسمك مشاعر حب
أما حين ترق وتصفو مشاعرها وتلجأ إلى الإفصاح عنها فهى تتخير قالباً موسيقياً مغايراً لما سبق تحده نبرات المتدارك مجزوء التفعيلة "فعلن فعلن" تلك النبرات التى تتلاحق فوق السطور وكأنها تحمل إيحاءات سريعة فى الخفة مغمورة بالإشارة تقول (ديوان تنهيدة صبية ص 15) :
ما اتعودتش إنك تنسى
تبعد ... تعند ... تزعل ... تقسى
ما اتعودتش أبقى لوحدى
اتعودت الود الصافى
المليان حنيه ودافى
اتعودت الكلمة الحلوة
اتعودت ف حبك أيوة
وأما فى بسماتها المتتابعات فى لحظة صفا فهى تلجأ لمزيج تفعيلات البسيط الفضفاضة "مستفعلن فاعلن" تقول (ديوان يا فرح صاحبنى ص 41) :
دايماً بتسعدنى
للفرح تاخدنى
بكلامك الدافى
حنية توجدنى
تسلم لى يا ملاكى
إزاى أرد الخير
وابقى كنجمة وطير
قوللى بإيه أرضيك
تسلم لى يا ملاكى
جـ ـ الصور الفنية :
تتصارع الصورة الفنية عند الشاعرة بين الجزئية والكلية والممتدة وهى تتقن صياغة الصورة كما تتقن تخليق ملامحها ، حتى إنك لتحس فى تصويرها أنك أمام رسام يحمل ريشة تخرج من بوتقة متزاحمة بالألوان أكثر مما تحس بأنك أمام صائغ للكلمات ، فتعيش معها الصورة كما أرادت لها أن تعيش .
ومن صورها الرائعة فى قصيدتها "ألبوم صور" تقول (ديوان عرايس الشعر 74) :
ولما بتتعب قى صوت السكك
تعود باشتياقها فى ساعة عطش
تنادينا ذكرى تفتح قلوبنا
فى ألبوم صورنا وحارة زمان
وهى ترسم صورة طبيعية موحية أخرى فى قصيدتها ""
همس اسكندرانى إذ تقول (ديوان تنهيدة صبية ص 6) :
لما الشمس تبوس البحر
وبتفرد ألوانها عليه
بتوصيه قبل ما تتغرب
أحضن خيرى ... أحضن نورى
للصبحية ف جوف المسة
لجل ما اروح للنص الثانى
ثم تتحفنا بصورة ثالثة وهى تصطحب قلبها معها فى رحلة مرحة لكنها مأساوية موحية تشى بالتمرد والسكون معاً (ديوان مشاعر ص 20) :
أنا وقلبى بنتعلق فى مرجيحه
ونتشعبط سوا فى الريح
بنتدارى من الأيام
وحبى فى الخلا شارد
وقلبى عمره ما يعاند
وماأنضج هذه الصورة الممتدة المستمدة من زغاريد الضياء حيث تقول (ديوان وشوشة البحر ص 70) :
وقرص الشمس يتكسر
قى صدر البحر
وبتنور شريط الليل
ويرمى ضفايره ع الشارع
فى صوت زغاريد
بيتفرع على الحيطة
يزف الحلم ع اللحظة
ويجى الضى يتمختر
فى دبله وتاج
وهى يروق لها تلوبن صورها وصبغها فهى عاشقة للون كما سنرى ، وتلك صورة ملونة كلية ممتدة التقطتها بعدسة ألفاظها الفياضة قائلة (ديوان أنيس قلبى ص 12) :
ورد البنفسج
شقشق مشاعرى
ورقرق الإحساس
ودى بلوزة بلون الفل
زراير ورد
يتلألأ على صدرى
د ـ المفرد اللغوى
يعد المفرد اللغوى فى إبداع الشاعرة لمحة صادقة بسيطة معبرة تجتاز حيز الأذن كثيراً لتستقر بين أوتار القلوب عازفة عليها بأرق الألحان ، وهى تتقن اللعب على أجزاء الجملة وتتخير من اللفظ ما يتناسب وموضوع قصيدتها وحالتهل النفسية والمزاجية والفنية .. وهى حريصة على أن تبلغ مفرداتها اللغوية كل من يستقر بين يديه إبداعها ، ولننظر إلى تخيرها للفظ فى تؤدة ودأب حين ترقص المطر وتجعل الضمير يغمز للقلب والنعاس يشد الكلمة وسن القلم يصبح مصارعاً تقول (ديوان يا فرح صاحبنى ص 17) :
رقص المطر ع الورق
فكيت ضفايرى
وقت اللقا بالحلم
غمز الضمير للقلب
شد النعاس كلمتى
وصارعنى سن القلم
أو حين تمزج بين راية مدينتها ودماها وأساها وحنينها ، وتجعل حبها نهراً سارياً يحتويها ، فتتوسل إليه متناصة مع القرآن الكريم بأن تزملها وتدثرها ثم تلملمها وتوحدها وتنزعها من آهات العذاب ولوعة الاغتراب تقول (ديوان مصر جنة بتبتسم ص 7) :
يا مدينتى
ياللى رايتك من دمايا
ومن أسايا ومن حنينى
ياللى حبك نهر سارى
بيحتوينى
زملينى دثرينى
لملمينى وحدينى
انزعينى من عذابى واغترابى
واحضنينى
أو حين تلجأ إلى روح السخرية لمل آل إليه حال بنى البشر الذين لا يعبأون بما يحيط بهم من الخراب وما يداهم حياتهم من مرارة القهر فتقول (ديوان لحن الحنين ص 23) :
كله صحيح على ما يرام
رغم الصراع
رغم الصدام
رغم الضياع والانفصام
دا شكل عام
لكن نفوسنا مهربدة
وبعد دا أو دا ودا
مستنيين بكرة الشروق
يمكن تفوق الدنيا
من كل دا
هـ ـ القاموس الخاص
تمتلك الشاعرة إلى جانب حصيلتها العامية ... قاموساً خاصاً يتضح من خلال استخدامها لبعض الكلمات المكتسبة من خلال احتكاكاتها الاجتماعية المتعددة ، وكذا بعض التركيبات الجميلة الخاصة بها والتى تتكاثر وتتكرر فى شعرها كثيراً بما يمكن أن يكون ظاهرة فردية وخاصة تخصها لتمثل من خلال إبداعها قاموساً خاصاً .
وقد وقفنا على كثير من مفردات هذا القاموس فوجدناها من ذلك النوع الذى يكاد يكون مغموساً فى ذاكرة المتلقى من خلال موروثه الاجتماعى ، وهى ألفاظ ربما يحرص الإنسان المعاصر المتظاهر بالحضارة على إخفائها لأنه يعترها ألفاظاً شعبية انتشرت من خلال بيئات متواضعة لا تتناسب مع حضارته أو تظاهره بهذه الحضارة ... وكم هى خاطئة هذه النظرة إذا سلمنا بضرورة الوقوف على هذا الموروث اللغوى واستحضاره فهو جزء من حضارتنا ... ولذا كانت الشاعرة حريصة على أن يتضمن إبداعها كثيراً من هذا الموروث
ومن ذلك قولها : المتغلمط ، بيلملم كل الدنيا ، منفضة عنها التراب ، يدحرج نسيم الحنان ، يا لولى ف عمرى متلضم ، وناس بتسف رملة ، يفرهد قلبى ، بتلدعنا وتكوينا ، بالبونط العريض ، جز السنان جزة ، شخابيط شهور السنة ، الحرف يتفرفط ، تتكرمش الأحلام ، يرفى القلب المتمزع ، عمرى المتعفر ، عيون السقف تبحلق فيه ، والأمانى لسه طازه ، الحرقة دى بالزوف ، ليل كمشان ، الآمال متبغددة ، ما تشوشوش الفكر ، حاطحن داغه وأراوغه .
و ـ نفس سوية
تطرح الشاعرة قضايا إبداعها وما يجيش بصدرها من خلال حالات نفسية مستقيمة هادئة فى معظمها ، مما يعكس لنا نفساً سوية تتعامل مع الأمور وإن اختلفت مع مسلماتها وناقضت معتقداتها بروح هادئة متفاعلة وليست مفتعلة ولا منفعلة ...
ويمثل هذه الروح واحدة من أروع قصائد الشاعرة وهى قصيدة "ساكنى قلب أبيض" التى تقترب فيها من حنايا ذاتها اقتراباً يوحى بتلك النفس السوية ... فتقول (ديوان تنهيدة صبية ص 100) :
حبه تجيب سيرتى
مع إنى كارهاها
وناسية دنياها
لكنى مضطرة
أعيش أنا معاها
إحساسى ليه مرهف
شفاف بلون صافى
مش راضى يتأقلم
فى الشر ويا الخلق
ولا عمره يوم يكره
ظالم ولا راضى
الشعر واجعنى
حاسسنى ومالينى
دايماً بيخلعنى
من بين طقوس الناس
ساكنى قلب أبيض
دايماً بيخلعنى
من بين طقوس الناس
ساكن قلب أبيض
دايماً يحب الحق
والشكوى مكتوبة
فى الصدر ... بين السطر
والكلمة محكومة
تتناجى ويا الصبر
ز ـ التظاهر بالقوة :
تحمل الشاعرة روحاً أنثوية تتجاوزها أحياناً متظاهرة بالقوة حين يتناسب هذا التظاهر مع رغبتها فى إبراز الفكرة وإتمام الرؤية ... تقول (ديوان وشوشة البحر ص 120) :
مش حاشمت حد فيا
واكون ضعيفة
مش حاوافق إنى تانى
أكون أسيرة
مش حاصدق وهم كان هادر كرامتى
مش راح اسمح
إن حد يجيب فى سيرتى
ياللى ماقدرتش تكون ليا الحماية
وربما تبرز روح التظاهر بالقوة بصورة أكثر وضوحاً فى قصيدتها "المرايا" حيث تقول (ديوان تنهيدة صبية ص 102):
يا حيرة ليه مالكة الضلوع
بتغربلينى ف كوح شبح
وبحور أمانى بتندبح
والعمر ماشى بيتنهب
والحرف لسه بيتولد
حاير مابين الأقنعة
وطابور وجملة أمنيات
وهيه ديه المشكلة
ط ـ عشق الوحدة
تعد الوحدة أداة مبرزة من أدوات الشاعرة التى تستعين بها لتكوين رؤيتها الشمولية ، فهى تبدو فى كثير من قصائدها عاشقة للوحدة ، ولكنها لم تكن وحدة خاملة وإنما وحدة متأملة فاعلة ... ومن ذلك قولها (ديوان وشوشة البحر ص 29) :
بيسحرنى سكون الكون
ونتآنس ونتجالس
وأهمس له ويمهس لى
وبين رؤية مفارقاتى
مصالحانى مابين نفسى
أبوح له بصدق إحساسى
وفى قصيدتها "لميت كيانى" تتبدى وحدتها إحساساً واحتياجاً تقول (ديوان أحضان السنين ص 90) :
فوقنى من حلم المطر
حسيت دموعى بتترعش
وضلوعى فيها ثرثرة
حسيت بوحدة ... واحتياجى للدفا
لميت طموحى واحتمالى
وحلمى ونجوم السما
ورجعت
ى ـ مصادقة الطبيعة
مصادقة الطبيعة خاصة بارزة تغلف إبداع الشاعرة فى كثير من قصائدها ، فهى غالباً ما ترصد حركات الكون وتقلبات المناخ وصفاء مكوناته ، وتطوع ذلك كله فى خدمة النص طواعية تشهد لها بحاسة مخلصة صادقة ... حيث تقول (ديوان مشاعر ص 42) :
أنا والسما والهوا وشجونى
ويا الشجرة والعصافير
فاردة ف ساحة عمرى صداقة
ويا طبيعة تسودها براءة
وتقول فى قصيدتها "ياروحى" (ديوان أنيس قلبى ص 74) :
صباح العمر بينادى
لصدق ضمير
يكون لى نصير
لفجر بيفرد الدنيا
على روحى
ربيع النفس متلفع
بتوب أبيض
ك ـ حب الانطلاق :
يحكم إبداعات الشاعرة أيضاً رغبة دفينة فى الانطلاق ثم التوحد ... تقول "ديوان أنيس قلبى ص 5" :
صباح الجنة والإحساس
أنا قلبى شوقه
بين قلوب الناس
حالة عذوبة مطلقة
جوه الفؤاد
فين المراد
صباح الجنة والإحساس
روحك تحب كل الناس
مشاعرها ملاك صافى
وشوق دافى
وشهد ونور
أنا عصفور
يناجى الكون ويتودد
لأحلى ملاك
صباح الجنة
حاستناك
ل ـ قلب ذاب لوعة :
يكمن خلف كلمات الشاعرة قلب ينفطر أحياناً ويصفو أحياناً أخرى ، يئن أحياناً ويفيض خفقاناً أحياناً أخرى ، يمزج بين صرخاته وضحكاته ، دقاته ودفقاته ، حنينه وطنينه ، حتى استحق أن يوصف بأنه قلب ذاب لوعة ، تقول (ديوان وشوشة البحر 68) :
ليه ياقلبى بترتجف
رافض تمللى تأتلف
ويا الحاجات
رجع شريط الذكريات
ليه الارتعاشة والشجن
فى الحزن عايش ع الغلاف
ارتاح وإرمى اللى حصل
العمر ده ملك القدر
ليه انت عاشق الاختلاف
حاول يكون نبضك أمل
وفى قصيدة "صورة مهزوزة" تعكس هذا الاهتزاز داخل كونها وشخصيتها ومشاعرها وإحساساتها تقول (ديوان لحن الحنين ص 67) :
وكأن شىء فيا
بيشدنى ليا
محصورة بين ذاتى
وكأنى مش هيا
مشدودة بين نفسى
ممسوحة الذكرى
موجودة محسوبة
خارج إطار كونها
مسنودة بظنونها
والحزن فى جفونها
م ـ بين القلق والتردد :
يحملنا إبداع الشاعرة أيضاً فى رحلة عميقة متقلبة بين القلق فى معظمها والتردد فى بعضها وربما كان هذان الشعوران سبباً أكيداً فى إضفاء روح الصدق الفنى لدى الشاعرة ، ذلك الصدق الذى هو مفتاح القبول لدى المتلقى ، تقول (ديوان وشوشة البحر ص 80) :
خلونى دايماً أتحدى خوفى
لكن قلوقة
أحزن أخاف
أفرح أخاف
ويضم خوفى
قلمى وحروفى
ع السطر يمشى
برموز تلالى
ن ـ البساطة والبعد عن التكلف :
وتلك خاصة من خصائص الشاعرة وربما تكون هذه السمة داخلة فى إطار صدقها الفنى الذى ينبع عن صدقها مع نفسها ومع الناس ، تقول فى قصيدة "فراسة" (ديوان أنيس قلبى ص 73) :
راح ادافع عن بقائى
بعقلى مش بكائى
واثبت لك إنى زيك
من غير منطق عدائى
صوتك يعلا ويعلا
ماهوش أفضل حلولك
لكن بعقلانية
تلقى حل لأمورك
وتقول فى قصيدتها "اتمنيتك"(ديوان أحضان السنين ص 93):
وف قوتك
عطفك يناجى حكمتك
ضل احتواءك
يصلب فى عودى وثورتى
يطرح أنوثتى نبضتى
تعلن فى شوقى وصرختى
نظرة عيونى تستحى
تفرد فى وحشية
خضوعها لرغبتك
س ـ كبرياء الأنثى :
مع ما تضمه الشاعرة بين أدواتها من تظاهر بالقوة ونزوع نحو البساطة وعدم التكلف والبعد عن بحبوحة الخطاب وفضفاضية اللفظ ، مع كل ذلك يحمل إبداعها روحاً تجسدها سمة الكبرياء ، ولكنه كبرياء من نوع خاص ... إنه كبرياء الأنثى ، تقول (ديوان وشوشة البحر ص 89) :
ما نعنى حيائى وطوق كبريائى
أقول لك واحشنى
واحشنى سؤالك
ولكن حيائى وطوق كبريائى
مانعنى انى أبدأ
واخاطب لسانك بحالى وحالك
وتتفاقم روح الكبرياء هذه فى قصيدتها "حترجع لى" حيث تقول (ديوان أحضان السنين ص 7) :
حترجع لى
ومهما تشوف أو تطوف أو تلوف
على ألف صبية
دى منسية
صفحة ف حياتك مطوية
وحترجع لى
ع ـ الحنين إلى الطفولة :
وبالرغم مما يحمله إبداع الشاعرة من رؤية ناضجة ومشاركة فاعلة ونظرة إيجابية للكون والحياة إلا أننا نجدها فى كثير من قصائدها تحن إلى الطفولة وتهفو إليها حيث نجد أنها هى الملاذ الصافى والنبع والغصن والسكينة الحقيقية لها حين تعتصرها دوامات الحياة وصروف الدهر ... تقول (ديوان وشوشة البحر ص 106) :
يا طفولتى
أنا مشتقالك
فين حنينك فين حنانك
فين شقاوتى واحتمالك
عايزة ألاقى تانى عمرى
ضحكتى الصافية ف أمانك
راح زمانك
وتقول فى قصيدتها "ذكرى" (ديوان أنيس قلبى ص 66) :
زمان
لما بخاف م الضلمة
بافتكرها ... صورة حلوة لجدتى
تفرد على جسمى اللحاف
علشان بخاف
ف ـ السيطرة على الرؤى :
تتقن الشاعرة ـ ضمن أدواتها ـ سيطرة ليست خافية على رؤاها الشخصية للكون والحياة والناس من حولها تقول فى قصيدتها "لا شىء" (ديوان مصر جنة بتبتسم ص 41) :
باملك مساحة رؤيتى
فلسفتى
مفاهيم فكرتى
وحلمى بيطول المدى
يغزل قمر فى سكتى
لكن أنا
مااملكش يوم خطوة قدم
فى دنيتى
ص ـ حضور فوق السطور :
ويتسم إبداع الشاعرة بأنه يعكس حضوراً دائماً لها فى كل ما تكتب وربما يفسر ذلك كثرة ما يتخلل قصائدها من استخدام لياء المتكلم ، حيث أنها لاترضى أن تغيب عن ذهن القارىء أو أن تتخفى وراء إبداعها ، وربما يعكس ذلك أيضاً إيماناً قوياً لدى الشاعرة بقيمة فنها وأنها لاتنسج إلى ما ينبغى أن يكتسى الناس به ، فتصف مشاعرهم وتصور انفعالاتهم وتطرح أحاسيسهم من خلال يائها التى تخاطبهم من خلالها ، حيث بلغت هذه الياءات فى واحدة من دواوينها ـ فيما أحصينا ـ ربعمائة واثنتين وأربعين مرة (انظر ذلك فى ديوانها أنيس قلبى) ، وهو رقم قياسى يتناغم مع رؤية الشاعرة فى موقفها من إبداعها بوجه عام .
ق ـ إيحاءات الأفئدة :
تحرص الشاعرة ـ ضمن ماتحرص عليه من أدواتها الفنية ـ على استدعاء الرمز أحياناً ؛ حيث تسخر بعض أجزاء الجسم لتؤدى دلالات بعينها مقصودة داخل النص وربما يتناسب ذلك مع لهجة الإبداع عندها وهى اللهجة العامية التى تتيح للمتحدث بها استدعاء كافة الوسائل المسهمة فى التوصيل ؛ فنلمح فى كثير من قصائدها تطويع الأفئدة فى خدمة الجملة الشعرية كالقلب والصوت والصدر والحضن والجفون والعقل والشرايين والأقدام والأصابع والخد والعيون والجبين والضلوع والشفاه واليد والرأس والوجه ، وربما تحمل الجمل التالية جانباً من هذا التطويع بما يبين قيمته داخل النص ؛ تقول (انظر ذلك فى الديوان نفسه) :
ـ أنا قلبى شوقه بين قلوب الناس
ـ صوتى بيفرد كلمة آه
ـ نجمة على صدر الزمان
ـ لؤلؤة ف حضن المكان
ـ وينكش ملامحنا
ـ خلى العيون تقفل جفونها ع الحقيقة
ـ ودمى جوه شريانك يطوف بالقلب
ـ قوانينك واحوالك لغة عقلى
ـ جسمى قايد بين ضلوعى بيرتجف
ـ وتبوس أقدامنا
ـ سكينة بتلم ف رقابينا
ـ عزفت صوابعك سيمفونية حب
ـ إيه ع الخد غير الذكريات
ـ والحيرة ف بدن الفنان أزمان
ـ ويكون مسحوب فى عيون الود
ـ سر جليدك فى جبينى
ـ وشفايفى ناشفة من الندهة
ـ ويمسح دمعتى بإيده
ـ أوعى غرورك يركب راسك
ـ كدابة قلابة ووشوشها دحلابة
ر ـ تفعيل اللون :
تحرص الشاعرة على تطويع اللون فى خدمة النص وبناء العبارة ، وهى منحصرة ـ فى الغالب ـ داخل مجموعة ألوان بعينها ، تلك التى يغلب عليها التلألؤ والبريق بما يعكس ما بداخلها من صفاء نفسى ربما لمسناه ـ ضمن إبداعها ـ فى غير موضع ... وربما توضح الجمل التالية بما تحتويه من الألوان ذلك الحرص ... تقول (انظر ذلك فى ديوانها أنيس قلبى) :
ـ أعرف أغانى مخضرة
ـ ورد البنفسج شقشق مشاعرى
ـ لون التفاؤل والرضا
ـ ودمى جوه شريانك يطوف بالقلب
ـ مطمئنة إن السواد مهما يطول
ـ حتما حيجى يوم نقول النور بدا
ـ ورقتى بياضك بيلمس فى قلبى بياضه
ـ بين السواد مشاعل بين الشتا ربيع
ش ـ السجع والجناس :
تشكل الموسيقى الداخلية لدى الشاعرة لمحة صارخة تأتى فى أغلبها طبيعية عفوية وتسهم فى تغليف بعض الهنات العروضية داخل الجملة ، فهى تعتمد كثيراً على الجناس والسجع الممتزجين دائماً بروى السطور داخل القصيدة ... ومن ذلك ما نجده فى واحد من دواوينها .. حين تقول (انظر ذلك فى ديوانها "أنيس قلبى") :
ـ مشاعرك ملاك صافى وشوق دافى
ـ الحاير الداير
ـ تتلامس أطراف الليل وعباية الويل
ـ حضن الوجود فرش الورود
ـ نكد اترسم كالوشم ليه واعمل له إيه
ـ يمتزج الإحساس بالحد وبجد
ـ جوايا باكى والشعر شاكى
ـ حالهم حالى ناس بقلوبهم تنطق خالى
ـ مش مستاهلة الدنيا الحالة دى رحالة
ـ م الفرقة وينقذ روح م الغرقة
ـ وينافقك بريائه التعبان . واتدحلب زى التعبان
ـ بتلملمى ف لومى . فنونى وظنونى
تلك هى أدوات الشاعرة التى تمازجت وإبداعها لتحلق فى عالم القصيدة ناسجة مجموعة بل مجموعات من الرؤى المتجاورة مع أدواتها والتى تشكل عالم القصيدة لدى الشاعرة وتطرح فكرها وانتماءها وانفعالها بما يحيط بها فيحيطها .